تونس... حكومة الرهان الاخير


 جملة من التحديات والمشاكل المهمة تواجهها الحكومة التونسية الجديدة بقيادة علي العريض القيادي في حركة النهضة الإسلامية، والتي حظيت بتأييد 64% من أعضاء المجلس الوطني الـتأسيسي، فهي وبحسب بعض المراقبين لاتعدو كونها عقار مهدئ جاء في وقت صعب في سبيل امتصاص غضب الشعب المتزايد جراء الفشل السياسي الذي اضر بالبلاد، مؤكدين في الوقت ذاته على أنها صورة مكملة للحكومة السابقة فهي ستكون ايضا حكومة أزمات وخلافات وتناحر، بسب مواقف بعض الأطراف الإسلامية المتشددة المدعومة من جهات خارجية و التي تسعى الى فرض هيمنتها من خلال خلق المشاكل واستخدام العنف وتصفية الخصوم وتعطيل القرارات وغيرها.
ومنها حركة النهضة المنتمي لها العريض والمتهمة بالضلوع في جريمة اغتيال زعيم الجبهة الشعبية شكري بلعيد الذي أثار مخاوف من إمكانية تعثر بقية مراحل الانتقال الديمقراطي وسقوط البلاد في مرحلة العنف السياسي. يضاف الى ذلك المشاكل الاقتصادية المتفاقمة ومنها ارتفاع نسب البطالة و ازدياد أسعار المواد الغذائية وانهيار الجانب السياحي في البلاد وغيرها من الأمور الأخرى.
من جهة أخرى رجح البعض ان تسهم هذه التغيرات بمعالجة بعض الأمور والأخطاء المهمة التي تعاني منها تونس، خصوصا وان الحكومة الجديدة قد حضيت بتصويت العديد الأطراف في المجلس الوطني، يضاف الى ذلك وجود دعم من بعض الأطراف الدولية التي تربطها بتونس علاقات قوية. مثل فرنسا وألمانيا وغيرها من الدول، وهو ماسيدفع العريض وبحسب قولهم الى تقديم بعض التنازلات المهمة لباقي الأطراف السياسية الأخرى و الاستفادة من الأخطاء السابقة والعمل على معالجتها، مؤكدين في الوقت ذاته على ان هذه المرحلة هي مرحلة حرجة ولا تقبل الأخطاء خصوصا مع محدودية الفترة الزمنية.
وفي هذا الشأن فقد نبهت الصحف التونسية الى ان الحكومة الجديدة برئاسة الإسلامي علي العريض "ليس من حقها الخطأ" نظرا لما تعيشه البلاد من تحديات ومشاكل اجتماعية وسياسية وأمنية متفاقمة يقول مراقبون انها تستدعي حلولا سريعة. ومنح البرلمان ثقته الى الحكومة التي تضمن ممثلين عن حركة النهضة الإسلامية وحزبي "المؤتمر" و"التكتل" شريكيها العلمانيين في الائتلاف الحكومي الثلاثي، إضافة الى مستقلين أسندت إليهم وزارات السيادة.
وقالت جريدة "الشروق" تحت عنوان "الشعب يريد مكاسب وليس وعودا" ان "الشعب مل (سئم) من الوعود ويريد تحسين أوضاعه المعيشية من خلال إطفاء حريق الأسعار وبسط الأمن والاستقرار وإعادة تشغيل جهاز الإنتاج". ولفتت الى انه "ليس هناك اي مصلحة لاي طرف في ان تفشل حكومة العريض كما فشلت حكومة (حمادي) ألجبالي لان فاتورة الفشل والتجاذبات ظلت على عاتق الشعب دون ذنب اقترفه".
ودعت جريدة "المغرب" الحكومة الجديدة الى "الإجابة المقنعة وغير الملتوية عن سؤال من قتل شكري بلعيد المعارض اليساري تنفيذا وتسييرا وتمويلا؟" وعن أسباب "استفحال ظاهرة العنف واستشراء السلاح في مجتمعنا بشكل غير مسبوق". وكان حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة استقال من رئاسة الحكومة يوم 19 شباط/فبراير الماضي اثر اغتيال شكري بلعيد في السادس من الشهر نفسه، واحتجاجا على رفض حزبه مقترحا بتشكيل حكومة تكنوقراط غير متحزبة لإخراج البلاد من الأزمة التي تأججت بعد اغتيال بلعيد.
وتسلمت الحكومة الجديدة مهامها بشكل رسمي بالتزامن مع تشيع جنازة بائع متجول احرق نفسه في قلب العاصمة، ولفتت جريدة الصريح الى ان موت البائع المتجول عادل الخزري (27 عاما) متاثرا بحروق بليغة عاد بنا ألف خطوة الى الوراء ونبهنا الى اننا الان لم نغادر منطقة ومنطق محمد البوعزيزي واننا مازلنا في نقطة الصفر وكأن ما حدث لم يغير الواقع والانتحار حرقا مازال هول الحل".
وكانت شرارة الثورة التونسية التي أطاحت مطلع 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، انطلقت عندما أضرم البائع المتجول محمد البوعزيزي (26 عاما) النار في نفسه يوم 17 كانون الاول/ديسمبر 2010 بمركز ولاية سيدي بوزيد (وسط غرب) احتجاجا على مصادرة الشرطة البلدية عربة الفاكهة والخضار التي كان يعيش منها.
واعرب الرئيس التونسي المنصف المرزوقي عن "عميق حزنه وألمه" اثر وفاة الخزري التي قال انها حصلت "بنفس الكيفية المؤلمة المرعبة التي توفى بها محمد البوعزيزي وربما لنفس الاسباب، نتيجة فقدانه الامل وانسداد الافق في عيونه كغيره من شبابنا الذين لا يرون من بصيص لحل مشاكلهم ومعاناتهم".
وقدم العريض في خطاب ألقاه أمام نواب المجلس برنامج عمل حكومته الذي تعهد فيه بإعادة الأمن إلى تونس ومحاربة غلاء المعيشة و"النهوض بالاقتصاد والتشغيل" في البلاد. وقال العريض إن الحكومة ستركز على تحقيق أربع اولويات وهي "توضيح الرؤية السياسية وتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات.
 وفرض الأمن ومقاومة الجريمة والانحراف والعنف ومواصلة النهوض بالاقتصاد والتشغيل، ومواصلة الاصلاح". وأوضح العريض قائلا إن حكومته ستعمل، بعد نيل ثقة البرلمان، "لمرحلة قصيرة لأننا عازمون على أن ينتهي عملها مع نهاية العام الجاري على اقصى تقدير". وأشار رئيس الوزراء التونسي إلى أن وزارات السيادة في حكومته وهي الدفاع والداخلية والعدل والخارجية أسندت إلى شخصيات محايدة ومستقلة. وكلف العريض بتشكيل الحكومة الجديد خلفا لحمادي الجبالي، الأمين العام لحركة النهضة، الذي استقال الشهر الماضي احتجاجا على رفض حزبه مقترحا بتشكيل حكومة غير حزبية لاخراج البلاد من ازمة سياسية اججها اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد.